كان دائماً يدّعي أن " الصدفة " هي التي حددت مستقبله ...
الصدفة هي التي دفعته إلى الالتحاق بكلية الحقوق ... و هي التي دفعته للعمل في مكتب الأستاذ رحمي المحامي ...و هي التي وضعت في طريقه السيد إبراهيم الذي أقنعه بأن يترك المحاماة ليشتغل بالتجارة والمقاولات ... و هي التي أسقطت بين يديه صفقة الذرة التي كسب منها عشرة آلاف جنيه ...ثم هي التي جعلت منه شاباً ثرياً مرموقاً ..و و و....
كان يجلس في النادي يبحلق في وجه الآنسة هيام ...وقد مضى عليه أسبوع و هو يبحلق في وجهها كل يوم لعل الصدفة تدفعها إليه ...
واظب على البحلقة حتى التفتت إليه ...رفعت إليه عينيها مرة أو مرتين ...
وأصبح يختار مقعداً أقرب إليها ...و داوم على البحلقة أسبوعاً آخر .. ولكنها لم تزد على ان رفعت عينيها مرة أخرى ...لم تبتسم ...و لم تشجعه بأي بادرة ..
و اختار مقعداً أكثر قرباً ...جلس إلى المائدة الملاصقة تماماً حتى أصبح يسمع كل حديثها مع صديقاتها ...
ولكنها ظلت مصرة على عدم الابتسام , أو تشجيعه بأي بادرة و لم تتحرك " الصدفة " لتجمعه بها ..
وسقطت حقيبتها بجواره , فأسرع بالتقاطها , و هب واقفاً يقدم الحقيبة إليها , وقد ظن أن الصدفة قد وانته ...ولكنها تناولت الحقيبة و قالت في برود : "ميرسي" ثم أدرات رأسها عنه...
وسمعها بعد أيام تقول لصديقاتها أناه مسافرة في اليوم التالي إلى الإسكندرية في قطار الساعة الثامنة صباحاً ...
وذهب و رابط أما شباك التذاكر حتى وجد سائقها يشتري تذكرة في العربة المكيفة الهواء ..و لاحظ رقم المقعد , و اشترى تذكرة المقعد المجاور..
ودخل في عربة القطار بعد أن دخلت هيام , و قال و هو واقف قبالتها كأنه فوجئ :
- أما صدفة جميلة !
و هزت رأسها و بين شقتيها ابتسامة صغيرة , عادت و سحبتها سريعاً....
و جلس بجانبها , وهو يقول :
- و الصدفة الأجمل أن مطرحي جنب مطرحك ...
و هزت رأسها و ابتسمت ابتسامة بادرة ...
و أخذ يتحدث , و يفرض عليها حديثه , و كلما قطعت الحديث من ناحية , وصله من الناحية الآخرى ...
و تركته عندما وصلا إلى الإسكندرية , و ابتسامتها لم تتسمع .
ان " الصدفة " لا تزال تتأبى عليه ...
وسعى حتى عرف والدها ... سعى من صديق إلى صديق حتى وصل إليه ...ثم استطاع ان يقنع الأب بأن يشترك معه في صفقة تجارية رابحة ... و عاد الأب إلى بيته , و عندما قدمه إلى أببنته صاح كأنه بوغت :
- أما صدفة جميلة !!
و اتسعت ابتسامة الفتاة , لقد كانت تعرف مدى الجهد الذي بذله في ملاحقتها
و اتسعت الابتسامة أكثر ...
و تزوجا ...
وجلس بيننا في النادي يروي قصة زواجه قائلاًًً :
- المسألة كلها "صدف"..شفتها في النادي "صدفة " ...و قابلتها في القطر "صدفة "...و عرفت أبوها "صدفة" و اتجوزتها في أربع و عشرين ساعة ... مجرد "صدفة" الحياة يا أخوتي كلها "صدف"!!
يا محاسن الصدف