اقتتال المسلمين

جاء في كتاب المستطرف انه لما مات بعض خلفاء المسلمين، اختلفت الروم واجتمعت ملوكها، فقالوا الآن يشتغل المسلمون ببعضهم، فُتمكِّننا الغرَّةُ منهم والوثبة عليهم، فعقدوا لذلك المشورات، واجمعوا على انه فرصة ثمينة تمكنهم من السيطرة على المسلمين، وكان رجل منهم من ذوي العقل والمعرفة غائباً عنهم.. فقالوا: من الحزم عرض الرأي عليه، فلما اخبروه بما اجمعوا عليه قال لا أرى ذلك صوابا فسألوه عن ذلك فقال: في غد أُخبركم. فلما اصبحوا أتوا اليه وقالوا قد وعدتنا ان تخبرنا في هذا اليوم بالرأي فيما عوّلنا عليه، فقال سمعا وطاعة، وأمر بإحضار كلبين شرسين كان قد اعدهما ثم حرش بينهما فتواثبا وتناهشا حتى سالت دماؤهما.. فلما بلغا الغاية فتح باب غرفة جانبية خرج منها ذئب كان قد اعده لذلك، فلما أبصره الكلبان تركا ما بينهما من شجار وتآلفت قلوبهما فوثبا على الذئب عضا ونهشا حتى قتلاه.
فأقبل الرجل على الجماعة فقال: مثلكم مع المسلمين.. وكان يقصد اهل السلطة وهم العرب – لايزال الهرج بين المسلمين ما لم يظهر لهم عدو، فإذا ظهر تركوا العداوة بينهم وتألفوا على العدو.
هكذا استحسن الجمع قوله واستصوبوا رأيه واتبعوا مشورته.
٭٭٭
وصف ابن خلدون في مقدمته حول النزاعات بين القبائل والعصبية وتنافسهم على كسب السلطة وانتزاعها من القوة الاضعف وتربص المخاطر الخارجية لتقضي على الطائفتين.. الدول الغربية درست التركيبة النفسية للامة العربية من خلال اطلاعها ودراستها للتاريخ العربي، وما احتوى من حروب وصراعات دامية عَرفت كيف تُؤجّجها وتقدم فيها النيران، والدول الاوروبية لديها خبرة في منازعاتها وحروبها الاهلية السابقة.. وصار لديها خبرة في اضرام الفتن العرقية والمذهبية والقبلية.
يرى ابن خلدون ان حالة العرب حالة اجتماعية، يمر عليها الانسان في نشوئه وارتقائه وعبّر عن ذلك بقوله: ان الخلف في الخلق طبيعي وانهم لطبيعة التوحش الذي هم فيه، اهل انتهاب وعبث، ينهبون ما قدروا عليه، والعرب أصعب الأمم انقيادا وقلما تجتمع أهواؤهم، من اجل ذلك لا يحصل لهم الملك إلا بصيغة دينية من نُبوة أو ولاية وأثر الدين على الجملة.. لذا فإن كثيراً من الزعماء العرب ادعوا أن نسبهم متصل بنسب الرسول محمد بن عبدالله عليه السلام وآخرهم صدام حسين.
يطلق الحاكم على نفسه أمير المؤمنين، واذا كان حُكم ابن خلدون قبل 700 سنة فإن استنتاجه هو وليد زمانه، والعلم يقول عند الامم الواعية الحاضرة ان انتقال الشعوب من البداوة الى الحضارة يحتاج الى 40 عاما فقط.. اذا كان يفصله عن بداية الاسلام حوالي 800 سنة يضاف لها 600 لتتصل بالعصر الحاضر.. يدل ذلك على انه لا أمل في تحضّر المسلمين، هاهم يتقاتلون قتال الجاهلية بل اكثر لأن الجاهلية كانوا يحترمون أوقات القعود عن القتال ولديهم اربعة شهور يحرمون فيها القتال وهي (ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب).
والمسلمون الآن عادوا الى جاهلية أوحش من جاهلية قبل الاسلام لا يحترمون رمضان ولا غيره من الشهور.. هاهم المسلمون يفنون بعضهم البعض يهدمون مدنهم ويقضون على ما بنوه من حضارة.. ولا ينصر المسلمون المسلمين ولا يتحدون لمحاربة عدوهم كما قالوا عنهم وفي كل العصور الاسلامية ما قُتل من المسلمين في اقتتالهم يفوق ما قُتل منهم من الاعداء وهاهم لا يزرعون ولا يصنعون وهم عالة على الشعوب المتحضرة يكيدون بهم كيدا ويسلطون المسلمين على المسلمين كما هم في كل تاريخهم ولا زالت الامم تضحك من جهلهم حتى الآن.

هذا هو حال المسلمين ورد هذا الكلام على لسان احدهم ندعوه ان يحفظ بلداننا من الفتن