إن الحروب الدينية لا تختلف في أسبابها وتداعيتها عن أية حروب إخرى، إلا في الجانب الفكري لها، حيث الحرب الدينية تتم تحت لواء الدين وتخاض باسم الإله وإعلاء كلمته في الأرض. وهذا أخطر ما فيها، كون كل طرف ديني يعتبر أنه يتحدث باسم الإله وبالتالي يملك الحقيقة والحق في إفناء الأخر ولا يقبل النقاش ولا المساومة. ولاغرابة في ذلك إذا علمنا أن الفكر الديني يرفض العقل والمنطق والنقاش، ورجال الدين الذين خاضوا تلك الحروب إعتبروا ما قاموا به شيئ مقدس، ومن هنا كانت حروبهم أخطر وأعنف وأطول من سواها. وإلى جانب ذلك هناك أسباب إخرى تجمع بين جميع الحروب ومن أهم هذه الأسباب: الأسباب الإقتصادية، الأسباب الإجتماعية والأسباب السياسية.
تاريخيآ ثبت أن أسوأ أنواع الحروب وأشهدها فتكا وضراوةً، هي التي تعتمد الدين منطلقآ لقيامها واستمرارها، ذلك أن المتحاربين لا يضعون في اعتبارهم إلا هدفآ واحدآ ولهم وهو إرضاء الله، وبالتالي يخرج الصراع عن المنطق والعقل ويدخل في باب اللا منطق واللامعقول.
وكما نعلم قد مر العالم بعديد من الحروب الدينية والمذهبية، التي تركت آثارا مدمرة عليها دامت لمئات السنين، فمثلآ حارب المسيحيين بعضهم بعضآ لعشرات السنين، وكانت هذه الحروب بين طائفتي الكاثوليك والبروتستانت وقتل فيها مئات الآلاف من البشر دون أي معنى، وأخر الحروب خاضها الكاثوليك والبروتستانت ضد بعضهما البعض كانت في إيرلندا الشمالية.
وقد عاشت البشرية أيضآ حروبآ بين المسيحيين والمسلمين وكان أشهرها الحروب الصليبية التي استمرت حوالى مائتي عام (1096 - 1291) وكان يقودها رجال الدين. وأخر حربين بين المسيحيين والمسلمين جرت في بوسنيا والسودان التي راح ضحيتهما مئات الألاف من الناس خلال تلك الحروب الطاحنة. وقبلها شاهدنا حربا مماثلة في لبنان والتي إستمرت خمسة عشر سنة أدت إلى حرق الأخضر واليابس وخلفت مأسي وجراح كثيرة، تحتاج لعدة أجيال لكي تلتئم وتصفى النفوس وتتخلص الناس من إرث تلك الحرب القاسية والعيش معآ بسلام.
ورغم تاريخ البشرية الحافل بتلك الحروب والمأسي إلا أن البشرية لم تتعلم من تجاربها وتاريخها المرير، وتعيد نفس الحماقات والكوارث. وخير دليلٍ على ذلك ما تشهده منطقة الشرق الأوسط حاليآ من حروب طائفية ودينية، التي تكاد تعصف بالعديد من المجتمعات المحلية، وإن كان البعض يحاول منح تلك الحروب غطاء سياسيآ، ولكنها في الحقيقة إنها حرب طائفية الحروب الدينية والطائفية عمياء ومليئة بالحقد والكراهية ورفض الأخر نهائيآ، والكراهية خطرة جدآ وخاصة عند عامة الناس، الذين يملكون وعيآ محدودآ. والحقد والكراهية تمنع الناس المتحاربين من الإحساس بأي شعور بالذنب أو حتى تأنيب الضمير، فيما يقومون به من مجازر وأعمال وحشية تفوق التصور بحق الطرف الأخر.
والسؤال متى سيستفيق هؤلاء الذين يتاجرون بالدين، ويدركون بأن ذلك سيقضي عليهم في النهاية كما سيقضي على الأخرين. وبأن مثل هذه الحروب لن تؤدي إلا إلى الخراب والدمار وليس فيها من رابح وتداعياتها وخيمة جدآ عى الأجيال القادمة.