كارز الحب مسيحي متميز
الجنس : عدد المساهمات : 786
| موضوع: الحكمة والأفراز الثلاثاء 25 نوفمبر 2008, 7:59 pm | |
| الحياة الروحية السليمة والجهاد القانوني أمور عميقة وسامية. والسلوك فيها باتزان وإفراز، بحيث لا ينحرف الإنسان يميناً ولا شمالاً ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلى حكمة واتضاع ومشورة ومعونة إلهية تحفظ الإنسان في الطريق المستقيم الوسط دون أن يُسرق من الضربات اليمينية بالجهاد الزائد عن الطاقة مما يسبب ردود فعل خطيرة على الحياة الروحية، ولا بالضربات اليسارية بالتهاون والاسترخاء مما يسبب البعد عن الحياة الروحية والخلاص الأبدي .أهمية الإفراز في الوسائط الروحية :· إن جنوح الإنسان إلى يمنة التناهي في الفضيلة (التطرف اليميني) خطر رهيب، لذلك يقول الحكيم : " لا تكن بارًّا كثيرًا ولا تكن حكيمًا بزيادة، لماذا تخرب نفسك ؟ " ( جا 7 : 16) .· كما أن الميل إلى يسرة التناهي في الرذيلة (التطرف اليساري) هلاك محقق كما يقول الحكيم : " لا تكن شريرًا كثيرًا ولا تكن جاهلاً، لماذا تموت في غير وقتك " ( جا 7 : 17) .· لذلك صار الإفراز بين الفضائل مثل القائد بين العسكر، فالجنود إذا لم يكن لهم قائد يقودهم ويدبرهم ينهزمون ويهلكون ، كذلك الفضائل إذا لم يكن فيها إفراز تهلك وتباد .· الإفراز يُدبر كل وصية تُنفذ، ويصون كل فضيلة تُعمل، ولا يدعها تهلك وتضيع، ويقود العقل إلى الطريق الوسط الملوكي ولا يدعه يجنح إلى الطريق الأيمن ( التطرف والمغالاة ) ولا إلى الطريق الأيسر (اللامبالاة). ويقول سليمان الحكيم: " انزع عنك التواء الفم وابعد عنك انحراف الشفتين . لتنظر عيناك إلى قدامك وأجفانك إلى أمامك مستقيمًا. مهد سبيل رجلك فتثبت كل طرقك. لا تمل يمنة ولا يسرة. باعد رجلك عن الشر " ( أم 4 : 24 – 27) ، لذلك يصلي الكاهن في تحليل نصف الليل قائلاً : " اخضع العدو تحت أقدامنا، ولا تجعل له فينا نصيبًا ، لا بضربة شمال ولا بضربة يمين " .· ويذكر لنا بستان الرهبان القصة التالية :اجتمع جماعة من الآباء القديسين عند الأنبا أنطونيوس وتباحثوا في أي الفضائل أكمل وأقدر على حفظ الإنسان من جميع مصائد العدو. فمنهم من قال الصوم والصلاة أو المسكنة والزهد أو الرحمة. وبعد انتهائهم من المباحثة والكلام قال: "حقًّاً إن كل الفضائل التي ذكرتموها نافعة ويحتاج إليها كل الذين يطلبون الله إلا أننا رأينا كثيرين أهلكوا أجسادهم بكثرة الصوم والسهر والانفراد في البراري والزهد، ومع كل ذلك رأيناهم وقد حادوا عن المسلك القويم وعدموا جميع هذه الفضائل وسبب ذلك أنهم لم يستعملوا الإفراز .· يقول أحد الآباء: " إن الإنسان الذي يعمل أموره بغير مشورة ولا إفراز يشبه مدينة غير محصنة وكل من أراد دخولها والاستيلاء على كنوزها لا يجد عائقًا عن ذلك " .أهم مجال تلزمه الحكمة :· في الواقع إن الأعمال يمكن أن تنقسم إلى :عمل هو خير واضح ، وعمل هو شر واضح .أما النوع الثالث ، فهو عمل يحتار أمامه الفكر أهو خطأ أم صواب ؟ أو يحتار أمام نتيجته أو وسيلته. وهو في هذا الأمر يحتاج إلى حكمة وإفراز أو إلى مشورة صالحة، وإلى كلمة منفعة ، تنير الطريق أمامه.النوع الرابع الذي يحتاج إلى حكمة وإفراز هو التفضيل بين طريقين، لا يدري الإنسان أيهما أصلح. وقد يكون كل من الأمرين خيرًا في ذاته، ولكن أيهما أكثر خيرًا؟ أو أيهما أكثر مناسبة لهذا الشخص بالذات ، مثل هذه الأمور تحتاج إلى حكمة وإفراز وتحتاج إلى تباطؤ ريثما يفحص الإنسان ذاته ، ويسمع صوت الله في قلبه ، أو على فم أب حكيم ومرشد مخلص .وهناك مجال آخر يحتاج إلى حكمة وإفراز، وهو طريقة الوصول إلى فضيلة معينة ، فالفضائل واضحة ومشروحة في الكتب الروحية، ولكن ما هي نقطة البدء؟ وما هي الطريقة المثلى لاكتسابها. والبعض يندفع إليها بسرعة ربما تؤدي إلى نتيجة عكسية ، أو تأتي بنكسة روحية ، والبعض قد يسير ببطء ، ربما يؤدي إلى فتور أو كسل أو تراخ . ما بين الذكاء والحكمة :· الحكمة لها معنى أوسع بكثير من الذكاء، وقد يكون الذكاء مجرد منها .· وقد يتمتع إنسان بذكاء خارق وعقل ممتاز، ومع ذلك لا يكون حكيمًا في تصرفه ، ربما توجد عوائق تعطل عقله وذكاءه أثناء التصرف العملي .· ربما تطغى عليه شهوة معينة ، هي التي تقود تصرفاته، فيخضع لها تمامًا ، ويتصرف تصرفات بعيدة عن الحكمة ، على الرغم من ذكائه الذي تكون الشهوة قد عطلته، وتولت القيادة بدلاً منه .· أو قد يخضع في تصرفاته لأعصاب تثور. أو قد يكون له ذكاء ولكن تنقصه الخبرة أو المعرفة .· الذكاء مصدره العقل ، وقد يكون الذكاء مجرد نشاط فكري سليم .· أما الحكمة فهي تتبع التفكير السليم بالتصرف الحسن في السلوك العملي، وهي لا تعتمد على العقل فقط ، إنما تستفيد أيضاً من الخبرة والإرشاد، ومن الصلاة وتوجيه الروح القدس .· وقد يكون الإنسان ذكيًّا ، يفكر أفكارًا سليمة ، ولكن تنقصه الدقة في التعبير، لنقص معلوماته عن كل لفظ في دقة، فيخطئ التعبير. أما الإنسان الحكيم ، فإنه يقول ما يقصده، ويقصد ما يقوله .· وهكذا تشمل الحكمة جودة التفكير، ودقة التعبير، وسلامة التدبير .· وهنا نقول : كل حكيم ذكي ، ولكن لا يشترط أن يكون كل ذكي حكيم .· والحكيم إن كان ينقصه شيء من الذكاء، فإنه يستعيض عنه بالمشورة، وبالقراءة والاطلاع، وبالاستفادة من خبرته وخبرة الآخرين، كما ينتفع أيضًا من التاريخ وخبرات الذين سبقوه، كما قال الشاعر:ومن وعى التاريخ في صدره
أضاف أعمارًا إلى عمره
| |
|