الكنز المخفى في الحقل, واللؤلؤة الكثيرة الثمن

سبعة امثالٍ رائعة يقدمها السيد المسيح في يومٍ واحد, ويسجلها الانجيلي متى في اصحاحٍ واحد, لينير بها عقول التلاميذ والجموع لكي يفهوا ويعرفوا حقيقة تعاليمه بواسطة هذه الامثال ولكي تتكون في ذهنهم صورة مجسدة مبسطة بمنتهى الروعة عن صورة ملكوت السماء وما قد اعده الله لبني البشر, كما قال الرسول بولس:" مَا لَم تَرَ عَينٌ وَلَم تَسمَع أُذُنٌ وَلَم يَخطُر عَلَى بَالِ إنسانٍ: مَا أَعَدَّهُ الله للذينَ يُحبُّونَه (1كو2: 9).
ايها الاحباء:
ان هذا الاصحاح هو اصحاح الامثال, وكأنه صندوق من الجواهر, واستاذي العزيز نقّى لي من هذا الصندوق كنزاً ولؤلوة, لكي ما نرى سويةً كيف ان السيد المسيح يريد ان يكون هذا الكنز وهذه اللؤلؤة من نصيبنا جميعاً.
يقول السيد المسيح: «أَيْضاً يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ كَنْزاً مُخْفىً فِي حَقْلٍ وَجَدَهُ إِنْسَانٌ فَأَخْفَاهُ. وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى ذَلِكَ الْحَقْلَ.
وماهو هذا الكنز الذي يتحدث عنه...؟ اين نستطيع نحن اليوم ان نجده...؟ وماهو الثمن الذي يجب ان يدفعه احدٌ لكي يصبح ملكه...؟
يتلخص هذا المثل في ثلاثة تساؤلات:
اولاً_ الكنز.... ماهو هذا الكنز الذي يتحدث عنه...؟
ثانياً_ الحقل.... اين نستطيع نحن اليوم ان نجد هذا الكنز...؟
ثالثاً_ الانسان الذي يجد هذا الكنز... ماذا يفعل فيه ....؟
1_ الكنز... ان الكنز الحقيقي هو يسوع المسيح. الذي فيه نجد وفرة من كل ما هو نفيس ونافع. مما يمكن ان يكون نصيب كل واحد منا, لذلك يقول الرسول بولس: (كنوز الحكمة والعلم) كنوز البر والنعمة والسلام, هذه مكتنزة لنا في المسيح, فان اتخذناه لنا نصيباً كانت هذه كلها من نصيبنا.
2_ الحقل... الحقل يا أحبائي هو الانجيل الذي فيه هذا الكنز, فالمسيح مخفى في كلمة الانجيل, في انجيل العهد القديم وانجيل العهد الجديد. كما ان النخاع مخفى في العظام, والماء مخفى في البئر . لكنه ليس مخفى في جنة مغلقة بل في حقل, في حقل مكشوف. فكل واحد منا لو اراده فليأتِ وليفتش الكتب, وليحفر في هذا الحقل, وكل ما يجده في هذا الحقل من مناجم فهو له اذا سلك في الطريق المستقيم.
3_ الناس الذين يجدون هذا الكنز في الحقل, ويقدرون قيمته... لا يهدأ لهم بال ابداً حتى يحصلوا عليه بأي ثمن. لذلك يقول: الذي وجد الكنز " اخفاه " فهذا يدل على غيرته المقدسة عليه. فلنحرص نحن ايضا كل الحرص لئلا يحول الشيطان بيننا وبينه ان كان المسيح في داخلنا.
لم يقف السيد المسيح عند عبارة " فأخفاه" بل قال: وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى ذَلِكَ الْحَقْلَ. لذلك يقول ابن سيراخ: "الحكمة المكتومة والكنز المدفون اي منفعة فيهما" (سيراخ20: 32) فالروح القدس الساكن في الانسان ولا يعمل مثل الكنز المخفى الذي لامنفعة منه, لذلك ان اردنا الحصول على خلاص المسيح يجب ان نكون مستعدين لترك كل شيء لكي نتأكد من الحصول عليه, وان نحسب كل شيء خسارة لكي نربح المسيح حتى نوجد في المسيح.
ويعود السيد المسيح ليعطينا من لآلئه لؤلؤةً واحدة اخرى, فرغم وحدتها لكنها كثيرة الثمن اذ يقول: أَيْضاً يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً تَاجِراً يَطْلُبُ لَآلِئَ حَسَنَةً 46فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ الثَّمَنِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَاهَا.
انه المعنى بعينه كما في مثل الكنز السابق. وهكذا تكرر الحلم مرتين لان الامر مقرر واكيد كما تكرر الحلم لفرعون مرتين لان الامر كان مقرر من قبل الله (تك41: 32).
فاللؤلؤة هي يسوع المسيح نعم انها لؤلؤة لا تقدر قيمتها للذي يعرف قيمتها فهي تجعله غنياً. غنياً فيما لله. فلو حصلنا عليها يكون لدينا ما يكفي كي نكون سعداء هنا والى الابد.
ومن هو التاجر الذي يطلب لآلى حسنة. حقاً انه المؤمن الحقيقي, فكل واحد منكم هو تاجر روحي يبحث عن لآلى حسنة, ولا يقنع بأي شي إلا بيسوع ليتلذذ في عشرته معه, كي ما يتوسع في تجارته معتزماً ان يكون غنياً روحياً.
لكن لا منفعة منها ان فكرنا في شرائها فقط . فهل تكون ملكنا ..؟ لست ادري ما المنفعة من معرفة المسيح وهو ليس بداخلنا لذلك قال: مضى واشتراها. لنذهب ونطرح جميع ما نمتلك من صفات وفضائل كي نستطيع ان ندفع ثمن المسيح لنمتلكه في قلوبنا كما اشترانا هو اولاً بدمه الاقدس لنكون له ابناءاً طاهرين .
اجل ايها الاحباء:
اقول لكم في الختام ان الذين يريدون الحصول على السيد المسيح ان يكونوا مستعدين لتضحية كل من أجله, وكل ما يتعارض مع المسيح يجب ان نتركه بسرور, مهما كان عزيزاً علينا. فالمرء قد يشترى ذهباً بثمن غالٍ جداً, لكن لا يُجدي نفعاً ان لم يشتري هذه اللؤلؤة الكثيرة الثمن اولاً... أمين